فصل: فصلٌ: (إِذَا بَاعَ دَارًا إلَّا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ مِنْهَا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ: (إِذَا بَاعَ دَارًا إلَّا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ مِنْهَا):

قَالَ: (وَإِذَا بَاعَ دَارًا إلَّا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ مِنْهَا فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) لِانْقِطَاعِ الْجِوَارِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ مِنْهُ هَذَا الْمِقْدَارَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (وَإِذَا ابْتَاعَ مِنْهَا سَهْمًا بِثَمَنٍ ثُمَّ ابْتَاعَ بَقِيَّتَهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي)، لِأَنَّ الشَّفِيعَ جَارٌ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي الثَّانِي شَرِيكٌ فَيَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ ابْتَاعَ السَّهْمَ بِالثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا مَثَلًا وَالْبَاقِيَ بِالْبَاقِي وَإِنْ ابْتَاعَهَا بِثَمَنٍ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا عِوَضًا عَنْهُ فَالشُّفْعَةُ بِالثَّمَنِ دُونَ الثَّوْبِ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ آخَرُ وَالثَّمَنُ هُوَ الْعِوَضُ عَنْ الدَّارِ.
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَهَذِهِ حِيلَةٌ أُخْرَى تَعُمُّ الْجِوَارَ وَالشَّرِكَةَ، فَيُبَاعُ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَيُعْطَى بِهَا ثَوْبٌ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ الْمَشْفُوعَةُ يَبْقَى كُلُّ الثَّمَنِ عَلَى مُشْتَرِي الثَّوْبَ لِقِيَامِ الْبَيْعِ الثَّانِي فَيَتَضَرَّرُ بِهِ.
وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُبَاعَ بِالدَّرَاهِمِ الثَّمَنُ دِينَارٌ، حَتَّى إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَشْفُوعُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ فَيَجِبُ رَدُّ الدِّينَارِ لَا غَيْرَ.
قَالَ: (وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ)، لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَلَوْ أَبَحْنَا الْحِيلَةَ مَا دَفَعْنَاهُ.
وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَنَعَ عَنْ إثْبَاتِ الْحَقِّ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ.
قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَى خَمْسَةُ نَفَرٍ دَارًا مِنْ رَجُلٍ، فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ مِنْ خَمْسَةٍ أَخَذَهَا كُلَّهَا أَوْ تَرَكَهَا) وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَخْذِ الْبَعْضِ تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ الضَّرَرِ.
وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَقُومُ الشَّفِيعُ مَقَامَ أَحَدِهِمْ فَلَا تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ، إلَّا أَنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إذَا نَقَدَ مَا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْقُدْ الْآخَرُ حِصَّتَهُ، كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ، لِأَنَّهُ سَقَطَتْ يَدُ الْبَائِعِ، وَسَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ بَعْضٍ ثَمَنًا أَوْ كَانَ الثَّمَنُ جُمْلَةً، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لَا لِلثَّمَنِ، وَهَاهُنَا تَفْرِيعَاتٌ ذَكَرْنَاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى.
قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ غَيْرَ مَقْسُومٍ فَقَاسَمَهُ الْبَائِعُ أَخَذَ الشَّفِيعُ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ يَدَعُ)، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْمِيلِ الِانْتِفَاعِ، وَلِهَذَا يَتِمُّ الْقَبْضُ بِالْقِسْمَةِ فِي الْهِبَةِ وَالشَّفِيعُ لَا يَنْقُضُ الْقَبْضَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَفْعٌ فِيهِ بِعَوْدِ الْعُهْدَةِ عَلَى الْبَائِعِ، فَكَذَا لَا يَنْقُضُ مَا هُوَ مِنْ تَمَامِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ وَقَاسَمَ الْمُشْتَرِيَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ حَيْثُ يَكُونُ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ، لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا وَقَعَ مَعَ الَّذِي قَاسَمَ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ، بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ لِيَنْقُضَهُ الشَّفِيعُ كَمَا يَنْقُضُ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ، ثُمَّ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي أَيِّ جَانِبٍ كَانَ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِ بِالْقِسْمَةِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ إذَا وَقَعَ فِي جَانِبِ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى جَارًا فِيمَا يَقَعُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ.
قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ عَبْدٌ مَأْذُونٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ الشُّفْعَةُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْبَائِعُ فَلِمَوْلَاهُ الشُّفْعَةُ)، لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ تَمَلُّكٌ بِالثَّمَنِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الشِّرَاءِ وَهَذَا، لِأَنَّهُ مُفِيدٌ، لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ لِلْغُرَمَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ لِمَوْلَاهُ وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ يَبِيعُ لَهُ.
قَالَ: (وَتَسْلِيمُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ الشُّفْعَةَ عَلَى الصَّغِيرِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا بَلَغَ) قَالُوا: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَلَغَهُمَا شِرَاءُ دَارٍ بِجِوَارِ دَارِ الصَّبِيِّ فَلَمْ يَطْلُبَا الشُّفْعَةَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَسْلِيمُ الْوَكِيلِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ، فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلصَّغِيرِ فَلَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ كَدِيَتِهِ وَقَوَدِهِ، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فَكَانَ إبْطَالُهُ إضْرَارًا بِهِ، وَلَهُمَا: أَنَّهُ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ فَيَمْلِكَانِ تَرْكَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ بَيْعًا لِلصَّبِيِّ صَحَّ رَدُّهُ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ، وَلِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ، وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ فِي تَرْكِهِ لِيَبْقَى الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِهِ وَالْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ فَيَمْلِكَانِهِ وَسُكُوتُهُمَا كَإِبْطَالِهِمَا لِكَوْنِهِ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ، وَهَذَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا، فَإِنْ بِيعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ قِيلَ: جَازَ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ نَظَرًا، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ فَلَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا مُحَابَاةً كَثِيرَةً، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ مِنْهُمَا أَيْضًا، وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.كِتَابُ الْقِسْمَةِ:

الْقِسْمَةُ فِي الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ مَشْرُوعَةٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَاشَرَهَا فِي الْمَغَانِمِ وَالْمَوَارِيثِ وَجَرَى التَّوَارُثُ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، ثُمَّ هِيَ لَا تَعْرَى عَنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ لِأَنَّ مَا يَجْتَمِعُ لِأَحَدِهِمَا بَعْضُهُ كَانَ لَهُ، وَبَعْضُهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ فَهُوَ يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَمَّا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَكَانَ مُبَادَلَةً وَإِفْرَازًا.
وَالْإِفْرَازُ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ، حَتَّى كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَاقْتَسَمَاهُ بِبَيْعِ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بِنِصْفِ الثَّمَنِ.
وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ لِلتَّفَاوُتِ، حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا أَخْذُ نَصِيبِهِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْآخَرِ، وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَاقْتَسَمَاهُ لَا يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ، إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَجْبَرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ، لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لِتَقَارُبِ الْمَقَاصِدِ، وَالْمُبَادَلَةُ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ كَمَا فِي قَضَاءِ الدِّينِ، وَهَذَا، لِأَنَّ أَحَدَهُمْ يَطْلُبُ الْقِسْمَةَ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَيَمْنَعُ الْغَيْرَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَا يَجْبُرُ الْقَاضِي عَلَى قِسْمَتِهَا لِتَعَذُّرِ الْمُعَادَلَةِ بِاعْتِبَارِ فُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ وَلَوْ تَرَاضَوْا عَلَيْهَا جَازَ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ.
الشرح:
كِتَابُ الْقِسْمَةِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاشَرَ الْقِسْمَةَ فِي الْمَغَانِمِ وَالْمَوَارِيثِ، وَجَرَى التَّوَارُثُ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، قُلْت أَمَّا قِسْمَةُ الْمَغَانِمِ، وَأَمَّا قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ، فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: «سُئِلَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَنْ ابْنَةٍ، وَابْنَةِ ابْنٍ، وَأُخْتٍ، فَقَالَ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَسَيُتَابِعُنِي، فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: {قَدْ ضَلَلْت إذًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ}،أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِلِابْنَةِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ، تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ، فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى، فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ امْرَأَةَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ سَعْدًا هَلَكَ، وَتَرَكَ ابْنَتَيْنِ، وَأَخَاهُ، فَعَمَدَ أَخُوهُ، فَقَبَضَ مَا تَرَكَ سَعْدٌ، وَإِنَّمَا تُنْكَحُ النِّسَاءُ عَلَى أَمْوَالِهِنَّ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اُدْعُ لِي أَخَاهُ، فَجَاءَ، فَقَالَ: ادْفَعْ إلَى ابْنَتَيْهِ الثُّلُثَيْنِ، وَإِلَى امْرَأَتِهِ الثُّمُنَ، وَلَك مَا بَقِيَ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنَةِ حَمْزَةَ، قَالَتْ: «مَاتَ مَوْلَى لِي، وَتَرَكَ ابْنَةً، فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنَتَهُ، فَجَعَلَ لِي النِّصْفَ، وَلَهَا النِّصْفَ»، انْتَهَى.
وَفِيهِ كَلَامٌ، تَقَدَّمَ فِي الْوَلَاءِ.
قَالَ: (وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ قَاسِمًا يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَقْسِمَ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ أَجْرِ)، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتِمُّ بِهِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ فَأَشْبَهَ رِزْقَ الْقَاضِي، وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ نَصْبِ الْقَاسِمِ تَعُمُّ الْعَامَّةَ فَتَكُونُ كِفَايَتُهُ فِي مَالِهِمْ غُرْمًا بِالْغُنْمِ.
قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَصَّبَ قَاسِمًا يَقْسِمُ بِالْأَجْرِ) مَعْنَاهُ بِأَجْرٍ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ، لِأَنَّ النَّفْعَ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ وَيُقَدَّرُ أَجْرُ مِثْلِهِ كَيْ لَا يَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَأَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ.
(وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَأْمُونًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ)، لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ وَهِيَ بِالْعِلْمِ وَمِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ بِالْأَمَانَةِ.
(وَلَا يُجْبِرُ الْقَاضِي النَّاسَ عَلَى قَاسِمٍ وَاحِدٍ) مَعْنَاهُ لَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ، لِأَنَّهُ لَا جَبْرَ عَلَى الْعُقُودِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ لَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ.
(وَلَوْ اصْطَلَحُوا فَاقْتَسَمُوا جَازَ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ فَيَحْتَاجُ إلَى أَمْرِ الْقَاضِي)، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ.
قَالَ: (وَلَا يَتْرُكُ الْقُسَّامَ يَشْتَرِكُونَ) كَيْ لَا تَصِيرَ الْأُجْرَةُ غَالِيَةً بِتَوَاكُلِهِمْ، وَعِنْدَ عَدَمِ الشَّرِكَةِ يَتَبَادَرُ كُلٌّ مِنْهُمْ إلَيْهِ خِيفَةَ الْفَوْتِ فَيُرَخِّصُ الْأَجْرَ.
قَالَ: (وَأُجْرَةُ الْقِسْمَةِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ)، لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ، فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ وَنَفَقَةِ الْمَمْلُوكِ الْمُشْتَرَكِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ وَأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ، وَرُبَّمَا يَصْعُبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ، وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُهُ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ، بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ، لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ، وَالْكَيْلُ وَالْوَزْنُ إنْ كَانَ لِلْقِسْمَةِ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ فَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ وَهُوَ الْعُذْرُ لَوْ أَطْلَقَ وَلَا يَفْصِلُ.
وَعَنْهُ أَنَّهُ عَلَى الطَّالِبِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ لِنَفْعِهِ وَمَضَرَّةِ الْمُمْتَنِعِ.
قَالَ: (وَإِذَا حَضَرَ الشُّرَكَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي وَفِي أَيْدِيهِمْ دَارٌ أَوْ ضَيْعَةٌ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَرِثُوهَا عَنْ فُلَانٍ لَمْ يَقْسِمْهَا الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَوْتِهِ وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يَقْسِمُهَا بِاعْتِرَافِهِمْ، وَيَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِقَوْلِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ مَا سِوَى الْعَقَارِ وَادَّعَوْا أَنَّهُ مِيرَاثٌ قَسَمَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَلَوْ ادَّعَوْا فِي الْعَقَارِ أَنَّهُمْ اشْتَرَوْهُ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ).
لَهُمَا أَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَالْإِقْرَارُ أَمَارَةُ الصِّدْقِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ فَيَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى، وَهَذَا، لِأَنَّهُ لَا مُنْكِرَ وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا عَلَى الْمُنْكِرِ فَلَا يُفِيدُ إلَّا أَنَّهُ يَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِإِقْرَارِهِمْ لِيَقْتَصِرَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَعَدَّاهُمْ.
وَلَهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ، إذْ التَّرِكَةُ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَهَا تَنْفُذُ وَصَايَاهُ فِيهَا وَتُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَإِذَا كَانَتْ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فَالْإِقْرَارُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ مُفِيدٌ، لِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمُوَرِّثِ، وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ كَمَا فِي الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ الْمُقِرِّ بِالدَّيْنِ، فَإِنَّهُ يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ مَعَ إقْرَارِهِ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ، لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ نَظَرًا لِلْحَاجَةِ إلَى الْحِفْظِ أَمَّا الْعَقَارُ فَمُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّ الْمَنْقُولَ مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ عِنْدَهُ وَبِخِلَافِ الْمُشْتَرَى، لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَقْسِمْ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً عَلَى الْغَيْرِ.
قَالَ: (وَإِنْ ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْف انْتَقَلَ إلَيْهِمْ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ)، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِسْمَةِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّهُمْ مَا أَقَرُّوا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِمْ.
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَذِهِ رِوَايَةُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَرْضٌ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا وَأَرَادَا الْقِسْمَةَ لَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُمَا) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِمَا، ثُمَّ قِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً، وَقِيلَ قَوْلُ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ قِسْمَةَ الْحِفْظِ فِي الْعَقَارِ غَيْرُ مُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَقِسْمَةُ الْمِلْكِ تَفْتَقِرُ إلَى قِيَامِهِ وَلَا مِلْكَ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ.
قَالَ: (وَإِذَا حَضَرَ وَارِثَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَفَاةِ، وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ، وَالدَّارُ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ قَسَمَهَا الْقَاضِي بِطَلَبِ الْحَاضِرِينَ وَيُنَصِّبُ وَكِيلًا يَقْبِضُ نَصِيبَ الْغَائِبِ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْغَائِبِ صَبِيٌّ يَقْسِمُ وَيُنَصِّبُ وَصِيًّا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ)، لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُ أَيْضًا خِلَافًا لَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ (وَلَوْ كَانُوا مُشْتَرِينَ لَمْ يَقْسِمْ مَعَ غَيْبَةِ أَحَدِهِمْ)، وَالْفَرْقُ أَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مِلْكُ خِلَافِهِ حَتَّى يُرَدَّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوَرِّثِ أَوْ بَاعَ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوَرِّثِ فَانْتَصَبَ أَحَدُهُمَا خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَتْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً بِحَضْرَةِ الْمُتَخَاصِمِينَ.
أَمَّا الْمِلْكُ الثَّابِتُ بِالشِّرَاءِ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِ بَائِعِهِ فَلَا يَصْلُحُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ (وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَقْسِمْ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ مُودِعِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الصَّغِيرِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ بِاسْتِحْقَاقِ يَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُمَا، وَأَمِينُ الْخَصْمِ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ فِيمَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ وَالْقَضَاءُ مِنْ غَيْرِ الْخَصْمِ لَا يَجُوزُ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ.
قَالَ: (وَإِنْ حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ لَمْ يَقْسِمْ وَإِنَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ)، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ خَصْمَيْنِ، لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ مُخَاصِمًا وَمُخَاصَمًا وَكَذَا مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ اثْنَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
(وَلَوْ كَانَ الْحَاضِرُ كَبِيرًا وَصَغِيرًا نَصَّبَ الْقَاضِي عَنْ الصَّغِيرِ وَصِيًّا وَقَسَمَ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ، وَكَذَا إذَا حَضَرَ وَارِثٌ كَبِيرٌ وَمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فِيهَا وَطَلَبَا الْقِسْمَةَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةَ يَقْسِمُهُ) لِاجْتِمَاعِ الْخَصْمَيْنِ الْكَبِيرِ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْمُوصَى لَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَكَذَا الْوَصِيُّ عَنْ الصَّبِيِّ كَأَنَّهُ حَضَرَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِقِيَامِهِ مَقَامُهُ.